الخميس، 16 مايو 2013

لغَةُ الطّيْر من كتاب "رموز العلم المقدس" لمؤلفه روني غينون

لغة الطير من كتاب ( رموز العلم المقدس ) لمؤلفه روني غينون - فاطمة عصام صبري‏

ناشر الموضوع : hamidradi

لغَةُ الطّيْر من كتاب "رموز العلم المقدس" لمؤلفه روني غينون - فاطمة عصام صبري

مقدمة:‏

المفكرون والفلاسفة والعلماء الذين يتناولون الأمور الإنسانية يجوز تصنيفهم تصنيفاً عاماً وإن لم يكن دقيقاً في صنفين: ملحدون يفسرون الأعلى بالأدنى، ومؤمنون يفسرون على خلافهم الأدنى بالأعلى.‏

وأياً كان الأمر فإن ثمة لدى مختلف الشعوب روايات وحكايات وأساطير وأمثلة كما أنهم قد يدينون بأديان سماوية مختلفة مهما تفاوتت فإن في مضمونها تعاليم متشابهة.‏

وكذلك قد تتباين الأمثلة والحكايا والروايات ولكن يبقى في مجموعات منها ما يكاد يكون واحداً بعد تشذيبها وأبعاد بعض الزخارف والتفريعات التي تتعلق بأحوال الشعوب واتجاهات العصور.‏

أما الباحثون الملحدون فيرجعون التشابه إلى نوع تأثير البنى التحتية في البنى الفوقية كما عند فرويد مثلاً حين يصل باعتماده فكرة "الليبيدو" إلى تفسير نشوء الحضارات والعلوم والديانات، وكما عند تلميذه في التحليل النفساني كارل غستاف يونغ الذي عمد إلى دراسة الرموز والروايات في رحلات رحلها إلى مواطن بعض الشعوب والأقوام الذين يدعون بالبدائيين كهنود الأريزونا بالولايات المتحدة وقبائل سفوح كينيا بإفريقية وزعم أنه وجد مشابه في مضمون اللا شعور عند الأوربي بعقليته الحديثة والبدائي بأساطيره وقصصه، ونوَّه زيادة على فرويد باللا شعور الجمعي لدى الشخص وهو رواسب تجارب الحيوانات أجداد البشر ثم رواسب تجارب أجداد البشر أنفسهم ثم رواسب تجارب الأمة ثم القبيلة ثم الأسرة أي خلاصة تجارب الإنسانية في حياتها السالفة المديدة المتطاولة تجاه الطبيعة وظواهرها المختلفة حين كانت تتفاعل وتتأثر تجاهها.‏

أما الباحثون المؤمنون فلا يمنعون تفسير الأعلى بالأدنى في العلوم والطبيعة ولكنهم حين ينظرون في الديانات الكبرى يرون أنه جرى في الأصل تعليم إلهي أوحي به إلى البشر فتجلى في مجالي شتى منها تلك الديانات السماوية التي تعتمد على ذلك التعليم الذي حصل على فترات. ولكن زاد البشر في تفاريعه وتفاصيله ولكنه يبقى واحداً في الأصل إذ كان من مصدر واحد ويقصد نحو غاية واحدة هي هداية البشر. من هؤلاء المؤمنين المفكر الفرنسي روني غينون René Guénon فلقد أتيح ما لم يتح لغيره من إطلاع واسع وتأمل عميق في قضايا الديانات ورموزها جلها إن لم نقل كلها. وقد رأينا أن ننشر له هذا البحث الممتع في "لغة الطير" لبيان المشابه لدى مختلف الحضارات.‏

لقد اتسعت البحوث الإنسانية اتساعاً كبيراً إلى درجة عدم التقيد بمجال واحد ولا بظاهرة إنسانية واحدة. فالمفكر اللغوي اليوم لا يبحث في أساليب التركيب البياني للغة واحدة بل قد يتجاوزها إلى دراسات أساليب التعبير في لغات شتى لعله يفضي من خلال دراساته إلى إبراز بنية فكرية واحدة أو بنى فكرية متشابهة. وكذلك الأمر في قضية المذاهب الفكرية والروحية المختلفة المتشابهة. هذا ويأتي الإسلام في طليعة الديانات الكبرى صوناً للتعليم الإلهي وحفاظً على أسرار التنزيل. ولقد كان غينون من أشد المؤمنين به والمعجبين بصونه. ولعل في مقاله هذا لمعاً من ذلك. وفيما يلي ترجمة للمقال.‏

والصافات صفا. فالزاجرات زجراً. فالتاليات ذكراً‏

سورة الصافات 37- (1-3)‏

غالباً ما تتحدث روايات العلوم النقلية عن لغة سرية (غامضة) تدعى "لغة الطير".‏

ومن الجلي أنها تعبير رمزي لأن المكانة التي تعزى إلى فهم هذه اللغة وهي مزية العرفان الرفيع تحمل على عدم الأخذ بالمعنى الحرفي لهذا التعبير. وبهذا الاعتبار ورد في القرآن الكريم: "وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علِّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين" السورة 27 الآية 16 (سورة النمل).‏

من جهة أخرى نجد في أساطير الشعوب الشمالية ذكر أبطال هزموا التنين مثل "سيغفريد" وكانوا يفهمون لغة الطير. وهذا يسهل إدراك فحوى الرمز. ذلك أن الانتصار على التنين هو تبوؤ مباشر للخلود الذي يتمثل في أمر من الأمور يحول التنين دون بلوغه. وتبوؤ الخلود هذا يتضمن بصورة أساسية الإنابة إلى مركز الحال الإنسانية حيث يتوكد الاتصال بأحوال الوجود العليا ويتمثل هذا الاتصال بفهم لغة الطير. وفي الواقع شد ما تعتبر الطيور رموزاً إلى الملائكة أي بالدقة رموزاً إلى الأحوال العليا من الوجود. وقد ذكرنا من قبل في مقال آخر(1) الرمز الإنجيلي الذي يتطرق للكلام على "طيور السماء" التي حطت على أغصان شجرة تمثل محوراً يخترق مركز كل حال من أحوال الوجود ويربط بين تلك الأحوال جميعها(2).‏

في النص القرآني الذي أثبتناه في الأعلى يدل تعبير الصافات حرفياً على الطيور ولكنه ينطبق رمزياً على الملائكة وهكذا تشير الآية الكريمة الأولى إلى نظام المراتب السماوية أو الروحية(3) وتفيد الآية الكريمة الثانية زجر الملائكة للشياطين أو صراع القوى السماوية والقوى الجهنمية أي التعارض بين أحوال الوجود الرفيعة السامية وأحوال الوجود الدنيا(4) وهذا يقابل في الروايات الهندية صراع (الديفاسيين Dêvas" "والأسوراسين Asuras"، كما يقابل أيضاً بشكل رمزي مقارب ومشابه جداً المعركة بين غارودا Garuda وناغا Nàga حيث نجد الحية أو التنين.‏

غارودا هو النسر ويمكن أن ينوب عنه طيور أخرى كأبي منجل واللقلق ومالك الحزين وكلها أعداء للزواحف ومبيدات لها(5). ونشهد أخيراً في الآية الكريمة الثالثة الملائكة تتلو الذكر ومعناه في التفسير المعتاد ما يترتب من وفاق بتلاوة القرآن لا القرآن المكتوب باللغة المعهودة بل بحروفه الأبدية المرقومة في اللوح المحفوظ الممتد بين السموات والأرض كسلم يعقوب الذي يتضمن درجات الوجود الشامل(6). كذلك نجد في الروايات الهندية ما يحكى من أن الديفاسيين (Dêvas) في صراعهم مع الأسوراسين كانوا يعوذون (أشهان ديان) بقراءة تسابيح فيدا ولهذا السبب سميت هذه الأناشيد شاندا ومعناها (الإيقاع). والفكرة نفسها موجودة في كلمة الذكر التي تدل في علم الباطن الإسلامي على حركات إيقاعية تطابق تماماً المانتراس Mantras الهندية وتكرار هذه الحركات ينجم عنه انسجام العناصر المختلفة في الكائن وتهيئة اهتزاز يؤثر في مختلف مراتب الأحوال بنظام ما فيتيح الاتصال بالأحوال العليا. وهذا الاتصال بوجه عام هو العلة الأولى الأصلية والجوهرية لمختلف العبادات.‏

ها نحن أولاء نجد أنفسنا تلقاء ما ذكرناه في الاستهلال عن لغة الطير التي يسعنا أن ندعوها لغة الملائكة. وصورتها في العالم الإنساني اللغة الإيقاعية. وذلك أنه لعلم الإيقاع الذي ينطوي على تطبيقات مختلفة تنشأ أخيراً الطرق التي تُسلك للاتصال بالأحوال العليا. وهذا يفسر رواية إسلامية تقول إن آدم كان في الجنة الأرضية يتكلم شعراً أي لغة موزونة والقصد هنا اللغة السريانية التي تكلمنا عنها في دراسة سابقة لعلم الحروف(7) وهي يسعها أن تشف عن النور الشمسي أو الملائكي كما يتجلى في مركز الحال الإنساني. ولذلك جاءت الكتب السماوية بلغة إيقاعية موزونة تختلف تماماً كما هو معروف عن الشعر الدنيوي البسيط الذي يزعم النقاد الحديثون ومن لفّ لفهم أن هذه الكتب من نوعه.‏

ثم إن الشعر من جهة أخرى لم يكن في أصله هذا الأدب العابث الذي آل إليه بالفساد الذي تفسره السيرورة الهابطة في الدارة الإنسانية وإنما كان له في الماضي صفة قدسية(8) يمكن تلمس آثارها حتى في التاريخ الغربي الكلاسيكي حين كان الشعر يدعى إذ ذاك (لغة الآلهة) وهو تعبير يكافئ ما نحن بصدده لأن الآلهة أي Dêvas (9) لدى بعض الاعتبارات الدينية بمثابة الملائكة وتمثل الأحوال العليا. وفي اللاتينية كانت الأشعار تدعى (كارمينا) carmina وهو تعبير يرجع إلى أنها تستعمل في أداء الشعائر ذلك أن كلمة كارمن تطابق اللفظ السنسكريتي كارما (Karma) أي أداء الشعائر(10).‏

والشاعر نفسه وهو ترجمان اللغة المقدسة التي تتجلى من خلالها الكلمة الإلهية كان يسمى Vates وهذا لفظ يدل على أنه ذو موهبة تتلقى إلهاماً من نوع نبوي ثم تغير الأمر بالانحطاط واستحالت كلمة Vates إلى كلمة Devin التي تدل على عراف عامي(11). ولفظ كارمن Carmen اشتق منه اللفظ الفرنسي Charme بمعنى سحر واستحال إلى كلمة Enchantement التي تفيد السحر الوضيع أو الفتنة وهذا مثال أيضاً على أن السحر بل حتى الشعوذة هو آخر ما تنحط إليه علوم النقل في تداعيها وتأخرها(12).‏

وهكذا نظن أن هذه اللمحات الخاطفة تكفي لبيان مدى الخطأ الذي يقع فيه أولئك الذين يسخرون من الروايات التي تتحدث عن (لغة الطير). من أسهل السهل وأبسط الأمور أن نزدري ما لا نفهمه ونعده من قبيل الخرافات ولكن القدماء كانوا يعرفون جيداً ما يقولون عندما كانوا يستعملون اللغة الرمزية. هذا والخرافة باشتقاقها الدقيق Quod Superstat هي (الحرف الميت) الذي ورث شأناً ذا حياة. هذا الحرف الذي لا يسترعي الاهتمام في الظاهر ليس شيئاً زرياً لأن الفكر الذي ينفح حيث يشاء ومتى يشاء قد يحيي الرموز والشعائر ويعيد إليها من ضياع معناها ملء فضيلتها الأصلية.‏

الحواشي:‏

1-Lhomme et son devenir selon le Vedanta ch. III. (Periderion).‏

في الرمز Peridixion الذي يرجع إلى العصر الوسيط تحريف (Paradision) يرد ذكر طيور على أغصان شجرة يجثم التنين في أسفلها. (انظر Le Symbolisme de la Croix Ch. IX) وفي دراسة عن رمزية "طائر الفردوس" (Le Rayonnement intellected Mai-Juin 1930) أنجز النحات M.L. Charbonneau-Lassay‏

نحتاً يظهر فيه ذلك الطائر برأس وجناحين وهو الشكل الذي تتمثل فيه الملائكة غالباً، انظر:‏

(Les Bestiaires du Christ Ch. LXI, P. 425).‏

(3)لفظ (صف) هو أحد الألفاظ الكثيرة التي حاول البعض أن يجد فيها أصل كلمة الصوفية أو التصوف. ومع أن هذا الاشتقاق لا يبدو مقبولاً من الوجهة اللغوية المحضة فليس بعيداً من الصواب أن أمثال هذه الكلمات تدل دلالة واضحة على بعض المعاني الصوفية لأن المراتب الروحية تتطابق مع درجات السلوك.‏

(4)هذا التعارض يتضح لدى كل كائن بميلين صاعد وهابط تدعوهما العقيدة الهندية السطوة Sattwa والتماس Tamas وترمز إليه المزدكية بتضاد النور والظلام المشخصين بارموزد Armuzd واهرمن Ahriman.‏

(5)انظر في هذا الموضوع أعمال شاربونو لاسي M. Charbonneau- Lassay من رموز حيوانات المسيح‏

(Cf. Le Bestiare du Christ)‏

وجدير بالملاحظة أن التعارض الرمزي بين الطير والحية لا يتم إلا عندما تكون الحية في صورتها المؤذية السيئة ولكن عندما تكون في صورتها النافعة الصالحة فهي على العكس تتحد أحياناً بالطير كما في صور Quetzalcohualt في الحكايات الأمريكية القديمة. ونجد من جهة أخرى في حكايات المكسيك نفس الصراع بين النسر والحية. وجمع الطير والحية يجعلنا نتذكر النص الانجيلي الذي يرد فيه "كن وديعاً كالحمامة وحذراً كالحيات" سانت ماتيوس×، 16.‏

(6)فيما يتعلق بلفظ الكتاب على أنه رمز انظر بحث Le Symbolisme de la Croix Ch. XIV.‏

(7)انظر الكتاب نفسه الفصل Symboles de la Science sacrée VI.‏

جاء في المقال الذي يشير إليه الكاتب أن اللغة السريانية في بعض الروايات الإسلامية كانت لغة آدم وهي لغة الإشراق الشمسي. فلفظ "سوريا" هو اسم الشمس باللغة السنسكريتية والجذر "سور" من معانيه النور بتلك اللغة. وليس لهذه اللغة علاقة باللغة السريانية المعروفة ولا بالبلاد التي يطلق عليها اليوم اسم سورية. بل هي لغة قديمة فقدت. ولكن اللغات التي تنزل بها الوحي كلها مقدسة. وتأتي عندنا وفي طليعتها العربية.‏

المترجمة‏

(8)يمكن القول على العموم أن الفنون والعلوم لم تعدم صفتها المقدسة إلا بضرب من الانحطاط جردها من صفتها المروية ثم من كل دلالة علوية رفيعة. شرحنا رأينا هذا في: (L Esoterisme de Dante Ch. II) وفي (La Crise du Monde Moderne ch. IV) وانظر أيضاً Le Régne de la quantité Les signes des temps Ch. VIII.‏

(9) اللفظ السنسكريتي (Dêwa) واللفظ اللاتيني (Deus) هما كلمة واحدة.‏

(10) كلمة شعر Poesie مشتقة من الفعل اليوناني Poiein ولها نفس المعنى الذي للجذر السنسكريتي Kri والذي منه Karma وسنجدها في اللاتينية Creare في معناها الأولي الذي كان يعني شيئاً مختلفاً تماماً عن مجرد عمل فني أو أدبي بالمعنى الدنيوي الذي يبدو أن أرسطو عناه عندما تحدث عما دعاه العلوم الشعرية.‏

(11) كلمة (Devin) أي العراف نفسها لم تنحرف أقل من ذلك عن معناها الأصلي لأنها مشتقة من Divinus التي تفيد هنا ترجمان الآلهة. (Les auspices) أي الطيرة وهي مشتقة من Aves spicers أي مراقبة الطيور وهي الفأل المأخوذ من تحليق الطيور وأغانيها تقترب من (لغة الطير) إذا فهمناها بالمعنى المادي للكلمة وهي مع ذلك متفقة أو متحدة مع (كلام الآلهة) لأن هذه مظاهر لإرادة الآلهة. والطيور هنا تقوم بإبلاغ الرسالة وهي مهمة غالباً ما توكل للملائكة. وهنا بالتدقيق يثوي المعنى الخاص للكلمة اليونانية Angelos ولو أن ذلك له مظهر وضيع (نزيد على ذلك أن معنى الملك باللغة العربية (حامل الألوكة أي الرسالة) والبحث هنا يتناول بعض الاعتبارات الشائعة. والمؤلف نفسه وإن كان لا يعتقد بالخرافات ولكنه يراها أشكالاً قديمة انحرفت عن أصولها الصحيحة –المترجمة).‏

(12)أصول السحر والشعوذة عالجناها في غير هذا الوضع من الكتاب (انظر Ch. XIX Sheth, Ialinéa final).‏

تعليق‏

(1)استعمل الكاتب العلامة في عنوان مقاله لفظ (لغة الطير) وقد جاء في القرآن الكريم (منطق الطير) وهذا أدق دلالة وأقرب قصداً وأكثر انطباقاً على الموضوع لأن المنطق هنا "كل ما يصوت به من المفرد والمؤلف المفيد وغير المفيد" كما جاء في التفسير "الكشاف"، وقد ورد في تفسير البيضاوي: "النطق والمنطق في المتعارف كل لفظ يعبر به عما في الضمير مفرداً كان أو مركباً وقد يطلق لكل ما يصوت به على التشبيه أو التبع كقولهم نطقت الحمامة ومنه الناطق والصامت للحيوان والجماد. فإن الأصوات الحيوانية من حيث أنها تابعة للتخيلات منزلة منزلة العبارات ولاسيما أنّ وفيها ما يتفاوت باختلاف الأغراض بحيث يفهمها ما هو من جنسه".‏

(2)نورد هنا في التعليق ما ذكره بعض علماء التفسير من قدماء ومحدثين في شأن الآيات الكريمات الثلاث التي استهل الكاتب موضوعه بها. جاء في كشاف الزمخشري:‏

"أقسم الله سبحانه بطوائف الملائكة... وقيل الصافات الطير من قوله تعالى: "والطير صافاتِ" (سورة النور رقم 24-41). والزاجرات كل ما زجر عن معاصي الله، والتاليات كل من تلا كتاب الله..."‏

ثم يعقب الزمخشري على ذلك فيشرح عطف الجمل بالفاء التي تفيد الترتيب فيقول:‏

"إن وحدّت الموصوف كانت للدلالة على ترتب الصفات في التفاضل.‏

"وإن ثلثته فهي للدلالة على ترتب الموصوفات فيه. بيان ذلك أنك إذا أجريت هذه الأوصاف على الملائكة وجعلتهم جامعين لها فعطفها بالفاء يفيد ترتباً لها في الفضل إما أن يكون الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة، وأما على العكس... وإن أجريت الصفة الأولى على طوائف والثانية والثالثة على آخر فقد أفادت ترتب الموصوفات في الفضل. أعني أن الطوائف الصافات ذوات فضل والزاجرات أفضل والتاليات أبهر فضلاً أو على العكس. وكذلك إذا أردت بالصافات الطير وبالزاجرات أفضل والتاليات أبهر فضلاً أو على العكس. وكذلك إذا أردت بالصافات الطير وبالزاجرات كل ما يزجر عن معصية وبالتاليات كل نفس تتلو الذكر فإن الموصوفات مختلفة".‏

وجاء في تفسير البيضاوي.‏

"أقسم بالملائكة الصافين في مقام العبودية على مراتب باعتبارها تفيض عليهم الأنوار الإلهية منتظرين لأمر الله الزاجرين الأجرام العلوية والسفلية بالتدابير المأمور به فيها، أو الناس عن المعاصي بإلهام الخير، أو الشياطين عن التعرض لهم التالين آيات الله وجلايا قدسه على أنبيائه وأوليائه... فإن الصف كمال والزجر تكميل بالمنع عن الشر أو الإساقة إلى قبول الخير، والتلاوة أفاضة أو الرتبة" وورد في تفسير القاسمي:‏

"وقيل الصافات الطير من قوله تعالى: والطير صافات والزاجرات كل ما زجر عن معاصي الله. والتاليات كل من تلا كتاب الله...‏

وبالجملة فالعطف أما لاختلاف الذوات أو الصفات وإيثار الفاء على الواو لقصد الترتيب والتفاضل طرداً أو عكساً.‏

أما الأول فاعتناء بالأهم فالأهم وأما الثاني فالترقي إلى أعلى".



مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد التاسع – السنة الثالثة –المحرم 1403 تشرين 1 – أكتوبر

هناك 4 تعليقات:

  1. انا عوذ اتعلم لغة الطير ونا معرفش لغة الطير حد يعلموني لغة الطير

    ردحذف
    الردود
    1. انا عوذ اشتري كتاب عن لغة الطير دبانا عواذ اتعلم لغة الطير في لغة الطير

      حذف
    2. انا عوذ لغة الطير

      حذف