الخميس، 16 مايو 2013

تاريخ المغول موجز لتاريخ المجوس



يلقي كتاب تاريخ المغول منذ حملة جنكيز خان حتي قيام الدولة التيمورية ، الذي اصدره المجمع الثقافي بابوظبي حديثا للعام الحالي، الضوء علي أمة روعت التاريخ أمداً طويلاً، وكان اسمها مرادفاً للرعب بكل معانيه.
درس مؤلف الكتاب وهو عباس اقبال أمة المغول ، في نشأتها وتطورها وتوحدها حتي صارت قوة متماسكة اكتسحت أجزاء شاسعة من العالم. وذكر في كتابه تاريخ ملوك المغول وزعمائهم وسياساتهم وغزواتهم ومواقفهم من جيرانهم، وكيف كانت هزيمتهم علي يد المسلمين نعمة سُعد بها العالم آنذاك. كما تعرض الكتاب الذي ترجمه الي العربية الدكتور عبد الواحد علوب للجوانب الحضارية والمصرفية، والصناعية والأدبية والتاريخية، متطرقاً إلي أعلام الثقافة من المغول ومن الذين ارتبطوا بهم.
ويشمل هذا الكتاب الذي يقع في 561 صفحة تاريخ إيران منذ بداية ظهور جنكيز خان حتي قيام الدولة التيمورية، أي منذ أوائل القرن السابع الهجري حتي النصف الثاني من القرن التاسع، ويتضمن تاريخ سيطرة الإيلخانيين المغول علي إيران، والأسر الحاكمة الفرعية التي حكمت بعض أجزاء من إيران في فترة القرنين ونصف القرن المذكورين.
يتألف الكتاب، إضافة إلي مقدمة وبحثٍ في مجموعة من المصطلحات التركية التي استخدمها، من تسعة فصول تناولت علي التوالي: أوضاع دول آسيا إبان الغزو المغولي، قيام دولة المغول، سياسة جنكيز خان ونتائج الغزو المغـــــولي، ولاية خلــــفاء جنكــــيز حتي عهد هولاكو، غزو هولاكو لإيران وزوال الخلافة العباسية، سلاطـــين مغول إيران الإيلخانيون، إيلخانات إيران، الفترة بين العهدين الإيلخاني والتيموري، الحضارة والمعارف والصناعات في العصر المغولي.
تناول المؤلف في الفصل الأول الأوضاع الجغرافية لآسيا الوسطي والشرقية، وهي منطقة شاسعة تتميز بتنوع تضاريسها، حيث الجبال والهضاب والقفار والوديان الخصيبة، أما الغلبة فيها فهي للصحاري والمرتفعات التي يصعب اجتيازها. وكانت غالبية سكانها من البدو الرحل، الذين كانوا في سعي دائب إلي المناطق العامرة التي يتوفر فيها الرزق، وقد تركزت غزواتهم دائماً علي أحد طرفي بلادهم، الصين وإيران، اللتين كانتا عرضة للتهديد والخطر من جانبهم باستمرار. واضطر الصينيون والفرس لمهادنة هؤلاء البدو أو دفع الجزية والخراج وإقامة علاقات ودية معهم في للحفاظ علي طرق اتصالهم بالدول الأخري، وعلي مصالحهم، ولضمان استمرار طرق القوافل بين شرق آسيا وغربها مفتوحة.
وفي المنطقة المحصورة بين جبال خينجان ويابلونوي وأكتاي وجبال سايان، أي حوض بحيرة بايكال وأنهار سلنجا وأرفون وكيرولين وروافدها، كان يستوطن المغول والتتار، وهم طائفة من الشعوب الصفراء، الذين استولوا بزعامة جنكيز خان وأبنائه علي دول آسيا الشرقية والوسطي والغربية وروعوا شعوبها.
وتناول الكتاب في الفصل الثاني قيام دولة المغول، متطرقاً بالتفاصيل لفترة ظهور جنكيز خان المولود في منغوليا نحو العام 549هـ، واسمه الأصلي تيموجين، ومواجهتـه ـ وهو لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره ـ للمصاعب غداة وفاة والده يسوكاي، الذي كان زعيم قبيلة قيات المغولية، ومن ثم إخضاعه للعديد من طوائف المغول، وإزالة دولة الأويغور، وإسقاط دولة النايمان، والحملات علي ممالك الخوارزمشاهية وفتح بخاري 616هـ، وسمرقند 617هـ، وخراسان وهرات 618هـ، وطالقان وباميان وطخارستان، وحرب السند.. حتي وفاته في العالم 624هـ.
وخُصص الفصل الثالث لتقييم سياسة جنكيز خان ونتائج الغزو المغولي... ولا شك في أن جنكيز خان يعد أحد أكثر الفاتحين، الذين سجل التاريخ أسماءهم، بطشاً وسفكاً للدماء. فما أريق من دم وما ضرب من مدن بأمر منه لم يعرفه التاريخ في أي من عصور الفتوحات . وأفرد المؤلف مقاطع من كتابه للحديث عن مستشاري جنكيز، وعادات وتقاليد المغول، ونظام الدولة والجيش عندهم، وأساليبهم في الحروب وموقفهم من المغلوبين.. وصولاً إلي تحديد أسباب انتصارات المغول والآثار الناجمة عن غزواتهم، ومن ثم تقسيم ممالكهم.
وتطرق المؤلف في الفصل الرابع لولاية خلفاء جنكيز حتي عهد هولاكو، واستهل الفصل بالحديث عن القائد الإسلامي العظيم، السلطان جلال الدين خوارزم شاه، الذي كرس حياته لقتال المغول والتتار، والتصدي لهم في عهدي جنكيز خان وأقطاي قاآن، فحاربهم في أصفهان وكرجستان وأرمينيا وغيرها من المدن وفتح تفليس وأخلاط، لكنه هُزم بسبب الخيانة وغياب وحدة المسلمين الذين كانوا يتناحرون فيما بينهم، إلي أن قُتل علي يد أحد الأكراد العام 628 هـ. وقد ابتدأ المؤلف بولاية أقطاي قاآن 616 هـ، الإبن الثالث لجنكيز خان، الذي عمل علي تعمير البلاد والإحسان إلي الرعية وإصلاح ما حدث من تخريب، وساعده في ذلك الوزير الحكيم كيلو جوت ساي، بينما انشغل جيشه بالقتال وتوسيع الإمبراطورية. وتولي من بعده ابنه الأكبر جيوك خان 639هـ، الذي نجحت أمه، توراكينا خاتون، بحكمتها وذكائها ومساعيها في الحفاظ علي العرش لابنها. وكان جيوك خان، علي عكس أبيه، رجلاً محارباً وفاتحاً أشبه بجده جنكيز خان منه بأبيه أقطاي. وبعد وفاته تولي الحكم منجو قاآن 648هـ، وهو من الفرع الثاني من أسرة جنكيز خان، وأحد أبناء تُولي ابن جنكيز خان الثاني بعد أقطاي. وكان حريصاً علي قواعد الياسا الجنكيزية وعادات المغول وتقاليدهم، وبعد أن نظم الشؤون الإدارية وانتهي من إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية للمملكة، شرع منجو في مواصلة أعماله الحربية، فكلف أخاه الأصغر، هولاكو، بقمع الإسماعيلية وإخضاع خليفة بغداد، وأسند إلي قوبيلاي، أخيه الأوسط، مهمة إخضاع الممالك التابعة لأسرة سونج أي الصين الجنوبية. وتوج قوبيلاي قاآن 658هـ نفسه خاناً وإمبراطوراً لأمة المغول، بدلاً من أخيه الأصغر أريق بركا الذي أراده منجو زعيماً لأمة المغول قبيل وفاته. واتخذ قوبيلاي من بكين عاصمة له، ويعد بصورة عامة أقوي حكام المغول، فبعد غزوه الصين شرع علي الفور في إشادة المباني وجمع الحرفيين والصناعيين، وازدهرت التجارة، وبعدما عبد كثيراً من الطرق في عهده.
وأفرد إقبال الفصل الخامس لغزو هولاكو لإيران وزوال الخلافة العباسية، فبدأه بإعطاء صورة عامة عن الحكم في إيران في عصر المغول حتي هولاكو 654 ـ 618 هـ، وأشار بإيجاز إلي ولايات كل من: جنتمور 630 هـ، نوسال 633 هـ، جوجوز 637 هـ، جورماغون 654 ـ 641 هـ. وتطرق بعدها إلي مهمة هولاكو لقمع الإسماعيلية 654 ـ 651هـ، الذين كانت لهم قلاع حصينة في قهستان وألموت والوديان الجنوبية لسلسلة جبال ألبرز، وعلي الرغم من الكوارث التي عاناها المسلمون منذ بدء الغزو المغولي، فقد استمر الشقاق قائماً بينهم، فلم يكن الأمراء الأيوبيون علي وفاق فيما بينهم، أو مع السلاطين السلاجقة بآسيا الصغري، ومع سائر أمراء الجزيرة، فكانوا يتناحرون علي قلعة أو شبر من الأرض ويتبادلون المكائد فيما بينهم. وبعد أن قضي هولاكو علي الإسماعيلية وأغار علي حصونهم العام 654 هـ، فتح بغداد وأزال الخلافة العباسية 656 ـ 655 هـ، وكان ذلك في عهد الخليفة المستعصم بالله 656 ـ 640 هـ، الذي استعرض المؤلف فترة خلافته في عجالة، قبل أن يتناول اجتياح بغداد وتخريب المغول للمدينة شبراً شبراً، وقتل الخليفة وأبنائه وسادات بغداد وأئمتها وقضاتها وأعيانها، حتي بلغ عدد الضحايا حوالي ثمانمئة ألف قتيل. وبعد أن استولي المغول علي بغداد، نهب هولاكو أموالاً طائلة من خزائن الخلفاء العباسيين، وأرسلها إلي آذربيجان مع غنائم كرجستان وأرمينيا وبلاد الروم واللر والأكراد، واختار مراغة عاصمة لهم، غزا الجزيرة والشام العام 657هـ، وهُزم في موقعة عين جالوت في فلسطين العام 658 هـ، بعد أن تصدي له سيف الدين قطز الذي وحد المسلمين بعد تفرقهم وتشتتهم، وهو أحد أمراء الأسرة الخوارزمشاهية الفارين وابن أخت السلطان جلال الدين كما يزعم البعض. وقد توفي هولاكو في العام 663هـ عندما سقط مريضاً بجوار نهر جغاتو جنوب بحيرة أرومية.
واستعرض المؤلف في الفصل السادس تاريخ سلاطين مغول إيران بعد وفاة هولاكو، فبدأ بعهد الإيلخانيين 756 ـ 663هـ، حيث تُوج أباقا خان 680 ـ 663 هـ علي عرش إيران إلايلخانية، وهو ابن هولاكو، اشتهر طوال مدة حكمه بأنه سعي إلي القضاء علي الإسلام بعون من البابا وملوك أوروبا المسيحية، وشن حروباً ضد مصر والشام، وخاض معارك معهم من أشهرها: موقعة البيرة 671 هـ، موقعة أبلستين 675 هـ، موقعة حمص 680 هـ. وبعد وفاته تولي الحكم تكودار 683 ـ 681 هـ، الإبن السابع لهولاكو، وهو أول من أشهر إسلامه من ملوك المغول وسمي نفسه أحمداً، أعلن نفسه مدافعاً عن الإسلام وعن شريعة الرسول محمد صلي الله عليه وسلم، وكان لذلك تأثير طيب للغاية علي المسلمين، وتبعته جماعة من المغول في اعتناق الإسلام. وذكر المؤلف خلال فترة حكم أحمد تكودار حادثة مقتل مجد الملك 681 هـ وثورة الأمير أرغون علي السلطان أحمد، الذي رأي نفسه، وهو ابن أباقا خان، أحق بالملك الإيلخاني من تكودار. وقُتل السلطان أحمد تكودار العام 683 هـ علي يد جماعة من المغول. تُوج الأمير أرغون بن أباقا لمنصب الإيلخان 690 ـ 683 هـ وتولي الوزارة في عهده سعد الدولة اليهودي بعد مقتل خواجة شمس الدين صاحب الديوان، وسادت من جديد الياسا الجنكيزية والتقاليد المغولية محل شريعة الإسلام. وتولي الحكم من بعده أخيه كيخاتو خان 694 ـ 690 هـ ووزيره صدر خان الزنجاني، الذي طبعت في عهده العملة الورقية جاو 693 هـ. ثم جاءت ولاية بايدو خان حفيد هولاكو 694 هـ، الذي قُتل علي يد غازان، الذي اعتنق الإسلام في العام نفسه.
وركز الكاتب في الفصل السابع علي حكم الإيلخانات منذ ولاية غازان 703 ـ 694هـ، الذي لُقب بالسلطان محمود غازان خان، ومن جاء بعده، وهم علي التوالي: السلطان محمد خدابنده أولجايتو، أبو سعيد بهادُر خان، أرباجون، موسي خان، ساتي بيك، طغا تيمور خان، شاه جهاد تيمور خان، سليمان خان، أنوشيروان العادل. وظل الإسلام هو الدين الرسمي لإيران منذ جلوس غازان حتي زوال دولة الإيلخانات. وقامت حكومتهم علي أساس الشريعة الإسلامية إلي أن انتهت دولتهم العام 756هـ.
وبحث الفصل الثامن تطورات الفترة بين العهدين الإيلخاني والتيموري، التي شهدت تفتت الممالك الإيلخانية إلي عدة أجزاء بعد وفاة أبي سعيد بهادُر خان، حيث ظهرت خمس أُسر في مناطق مختلفة في إيران: آل جلاير في بغداد، الجوبانيون في آذربيجان، آل مظفر في فارس، آل إينجو في فارس أيضاً، السربداريون في سبزوار. وإلي جانبها كان هناك عدد من الأمراء الآخرين في: هرات آل كرت، وفارس الأتابكة السلغوريون، وكرمان القراخطائيون، ويزد أتابكتها، ولرستان أتابكتها أيضاً.كانت لهم حكومات محلية شبه مستقلة، لكن لم يكن لهذه الأسر وأمرائها وملوكها أهمية سياسية كبيرة، وقد زالت فيما بعد إما بقضاء كل منها علي الأخري، أو بقضاء الأمير تيمور جوركان علي دولها، ونشوء الدولة التيمورية.
أما في الفصل التاسع والأخير، لم يفت المؤلف بعد التطرق إلي الجانب العسكري من حياتهم، أن يهتم بالحضارة والمعارف والصناعات في العصر المغولي. فعلي الرغم من أن حقبة المئتي سنة التي تم تناولها في الفصول الثمانية السابقة، تعد واحدة من الحقب الحزينة في تاريخ العالم الإسلامي عامة وإيران خاصة، فإنها تعد من أكثر العهود إشراقاً في تاريخ العلم والفلسفة والأدب في إيران، لأنها أعقبت قرون النهضة العلمية والأدبية التي شهدها العصر العباسي، ولم تكن النتائج السلبية للاحتلال المغولي قد ظهرت بعد، فهي حقبة متميزة من عدة نواح، خاصة من ناحية تعدد الشخصيات الكبري التي عاشت من تلك الفترة وحملت مشاعل العلوم والآداب الفارسية. فقد عاش فيها عدد من أكبر شعراء إيران وأدبائها وحكمائها كمولانا جلال الدين الرومي، وأفصح المتكلمين سعدي الشيرازي، ولسان الغيب حافظ الشيرازي، وعطا مالك الجويني، وخواجه رشيد الدين فضل الله الوزير، وحمد الله المستوفي، والعلامة قطب الدين الشيرازي وخواجه نصير الدين الطوسي. ويمكن القول أنه منذ أواخر العصر التيموري، بدأ انحطاط العلوم والآداب الفارسية، وبلغت ذروتها في عصر الدولتين الصفوية والأفشارية، فظهرت النتائج السلبية لاحتلال المغول والتيموريين.
وفي ختام كتابه، قدم المؤلف قائمة بأسماء المصادر التاريخية التي استقي منها تاريخ تلك الحقبة وسير المؤرخين. وعرض لحضارة المغول، وعرف القارئ بعلومها وآدابها، وفنونها وآثارها، وعلاقاتها التجارية، وأشهر علمائها وحكمائها، وكتابها ومؤرخيها وشعرائها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق