الخميس، 16 مايو 2013

حقيقة التآمر للنظام النصيري العلوي

حقيقة التآمر للنظام النصيري ولا يغيب عن أصحاب العقول ما قاله أحد
جهابذة الإعلام الرسمي السوري من الطائفة النصيرية، تعليقاً على تحليق أربع مقاتلات
إسرائيلية فوق القصر الرئاسي في اللاذقية: لم يتجاسر الصهاينة على اختراق أجواء
دمشق الحصينة، ففرّوا إلى الساحل! والحال أنّ العبقري هذا تناسى، أو لعلّه بالفعل
كان يجهل تماماً، أنّ الصهاينة هؤلاء ذهبوا إلى اللاذقية ليس خشية من المقاتلات
السورية في أجواء دمشق، بل ببساطة لأنّ بشار الأسد كان حينها في قصر اللاذقية وليس
في قصر دمشق. ومن جانب آخر، يصحّ القول إنّ الصهاينة لم يخترقوا أجواء البلد
(اللاذقية أو دمشق... ما الفرق، بمعنى السيادة الوطنية؟) فحسب، بل اخترقوا أمن
الرئاسة حين علموا أنه في الساعة كذا من اليوم كيت، سوف يكون الأسد في اللاذقية
وليس في دمشق ! وبين العقاب الجماعي الذي يخضع له الفلسطينيون في ظلّ الإحتلال
الإسرائيلي، والعقاب الجماعي الذي يخضع له السوريون على يد نظام الإستبداد والمافيا
العائلية، ثمة ما يشبه الإباحية السياسية التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية
في موقفها من حكومة "حماس" ونظام بشار الأسد في آن معاً. واشنطن تقول ضمناً إنّ حلّ
قضية الجندي الإسرائيلي المخطوف كامن في دمشق حيث يقيم خالد مشعل، رئيس المكتب
السياسي لحركة "حماس"، أو تقوله صراحة كما حين يعتبر السفير الأمريكي في إسرائيل
ريشارد جونز أنّ "المشكلة في دمشق، وأعتقد أن انتباه العالم يجب أن يتحول إلى
العاصمة السورية". ولكنها واشنطن ذاتها التي رضخت، وتواصل الرضوخ، لشتى الضغوط
الإسرائيلية المباشرة (عن طريق رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون،
وخليفته اليوم إيهود أولمرت) وغير المباشرة (عن طريق مختلف مجموعات اللوبي اليهودية
ـ الصهيونية في
أمريكا
المطالبة بتخفيف الضغوط عن نظام بشار الأسد، او ممارسة ضغط رفع الكلفة وحده، أو أيّ
ضغط خفيف يُبقيه بين المطرقة والسنديان، ولكنه لا يذهب بالنظام وآل النظام إلى حافة
الهاوية. واشنطن تعلم، علم تل أبيب أو حتى أكثر منها، أنّ آخر أوراق النظام القابلة
للمقايضة كانت ضبط الحدود السورية ـ العراقية، وأنّ الصفقة في هذه المتاجرة عُقدت
بالفعل حين رضخ النظام، وقبض الثمن عشية تقرير ديتليف ميليس الثاني، والتعهد
السعودي ـ المصري بضمان حسن سلوك النظام ستة أشهر أخرى. ومن الجلي أنّ وجود أمثال
خالد مشعل من قيادات "حماس"، دع جانباً أحمد جبريل وسواه من القيادات الفلسطينية
المنضوية تحت راية النظام السوري، لا يشكّل عند واشنطن أيّ قلق ذي طبيعة جادّة أو
عاجلة او استراتيجية تستدعي عقد صفقة مع دمشق، وذلك رغم أنّ هذا التفصيل يمنح البيت
الأبيض مادّة صالحة للمماحكة اللفظية والابتزاز الديماغوجي. وبهذا المعنى، وفي
الجوهر أوّلاً، يُقرأ تصريح الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية آدم آيرلي، حول
أسف واشنطن من أنّ دمشق لا "تتصرّف بمسؤولية" في اتخاذ "إجراءات فعالة ضدّ
الإرهاب". لغة دبلوماسية مهذّبة بالطبع، وما يشدّد نبرة التهذيب فيها أنّ واشنطن،
مثل تل أبيب، على يقين تامّ من أنّ العناصر والكوادر والقيادات على الأرض، وليس
البتة في دمشق أو بيروت، هي صانعة الخطّ السياسيّ والسياسات، والأهمّ من ذلك بالطبع
أنها الوحدات المقاوِمة ومنفّذة العمليات النوعية، من طراز نفق كرم سالم. والحال
أنّ رجال البيت الابيض، وربما منذ برهة الاحتكاك الأبكر مع حافظ الأسد في السنوات
الأولى من توليه السلطة، أدركوا طبيعة الشطرنج السياسي الذي أداره النظام السوري مع
واشنطن وتل أبيب (أو حتى مع جارة مثل تركيا عبر أكراد الـ pkk وعبد الله أوجلان) من
وراء استضافة هذه المنظمة أو تلك، في هذا الطور أو ذاك. كان ذلك الشطرنج يشمل
المحيط الإقليمي أيضاً، العراق والدول الخليجية والأردن، فضلاً عن منظمة التحرير
الفلسطينية والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات شخصياً. وكان ذلك الشطرنج، ويظلّ
اليوم أيضاً، قائماً على قواعد لعب مكشوفة مفضوحة، ردئية إجمالاً وإنْ كانت لا
تُسقط عن الشطرنج سمة اللعب ذاته، من حيث المناورة والكرّ والفرّ والخسارة
والربح... ولهذا فإنّ تحليق القاذفات الإسرائيلية فوق القصر الرئاسي في اللاذقية،
حين كان الأسد مقيماً فيه تحديداً، أي في برهة منتقاة بعناية من حيث طبيعة الرسالة
المشفّرة طيّ هدير الطائرات، ليس تصعيداً مع النظام السوري على أيّ وجه: لا في
المستوى العسكري، ولا في السياسي، ولا حتى في مستوى المساس بالقواعد التي وضعها
شارون حين قصفت الدولة العبرية موقع عين الصاحب، شمال غرب العاصمة السورية، بتاريخ
5/10/2003. لكنه تذكرة صاخبة بعض الشيء، لكي لا نقول إنها تنبيه غليظ، حول عواقب
أيّ سلوك عاقّ إزاء خدمات التي أسدتها إسرائيل إلى النظام مؤخراً، بل طيلة حقبة ما
بعد اغتيال رفيق الحريري، من جانب أوّل. والتحليق، من جانب ثانٍ،

إنذار بأنّ الخروج الجدّي عن القواعد الديماغوجية لهذا الشطرنج
بالذات، سوف يقلب الرقعة رأساً على عقب! وفي نهاية الأمر، كان الناظم لعلاقات
القوّة بين نظام حافظ الأسد وإسرائيل ينطوي على أيّ نسق آخر باستثناء "حال العداء"
أو "حال الحرب"، والتاريخ المعاصر يبرهن بقوّة على أمر كهذا: منذ عام 1973، حين
وافق النظام على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 338، واعترف عملياً وحقوقياً بأنّ
الدولة العبرية جزء لا يتجزأ من تكوين المنطقة ومن نظام الشرق الأوسط السياسي
والجغرافي؛ والعام 1974، إثر توقيع "اتفاقية سعسع" وإدخال نظام الفصل بين القوّات،
الذي تكفّل أن لا تُطلق في هضبة الجولان طلقة واحدة تشي بانهيار السلام التعاقدي
المبرم؛ والعام 1976، حين أيّد النظام قراراً لمجلس الأمن الدولي يدعو إسرائيل إلى
الإنسحاب من الأراضي العربية المحتلة، مقابل "ضمانات حول سيادة، ووحدة أراضي،
واستقلال جميع الدول في المنطقة"، و"الإعتراف بحقّ هذه الدول في العيش بسلام داخل
حدود آمنة معترف بها"؛ ثمّ العام 1980، حين اعتمد النظام مبادرة الملك فهد وخطّة
الجامعة العربية التي اعترفت عملياً بحقّ إسرائيل في الوجود (رغم أنّ ذلك الإعتراف
لم يرضِ الدولة العبرية آنذاك!)... السنوات، والتواريخ اللاحقة (منذ الصمت العسكري
السوري على اجتياح بيروت من قبل اسرائيل لتصفية المقاومة الفلسطينية , وما قامت
بعده القوات النصيرية باستكمال التصفية للمقاومة الفلسطينية حيث تبنت تلك القوات
بطرد المقاومة من بيروت حتى طرابلس واتهام ياسر عرفات بالعمالة لاسرائيل ليتاجر على
عقول الشعب السوري بحجة الوطنية المزيفة , ومما لاشك فيه ان التأمر كان بين اسرائيل
وسوريا بحيث ان اسرائيل تتبنى طرد الفلسطينيين حتى بيروت وقوات النصيرية حتى
طرابلس، إلى المشاركة في تحالف "حفر الباطن"، ثمّ مؤتمر مدريد، وحوارات شبردزتاون
بين رئيس الأركان السوري الأسبق حكمت الشهابي مع الجنرال أمنون ليفكين شاحاك وإيهود
باراك، ومحادثات هذا الأخير مع فاروق الشرع في واشنطن، ولقاء جنيف بين حافظ الأسد ـ
بيل كلينتون، وحوارات ماهر الأسد السرّية في العاصمة الاردنية عمّان، والمصافحة
الفاتيكانية "التاريخية" بين بشار الأسد وموشيه كتساف...)، لم تكن اقلّ احتشاداً
بكلّ ما يدلّ على أنّ الناظم الحقيقي هو التالي ببساطة: ثمة في إجماليّ سياسات هذا
النظام، بل في طبيعته الإستبدادية العائلية المافيوزية، كلّ ما يخدم الدولة
العبرية، أي كلّ ما يرضي واشنطن استطراداً! ... ولكن النجاح في الدعم الإباحيّ
المطلق لكلّ ما تنطوي عليه ممارسات الدولة العبرية من بربرية معاصرة ضدّ الشعب
الفلسطيني، والصمت شبه المطبق أو التأييد الضمني لما يرتكبه نظام الإستبداد في دمشق
من جرائم بحقّ الشعب السوري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق